الأفلام السعودية بين العمق السطحي والواقعية المفقودة
الأفلام السعودية غالبًا ما تُنتج لصناع الأفلام أنفسهم، وليس للجمهور الحقيقي. ولعل هذا هو أكبر الأخطاء: أن تُخاطب دائرة صغيرة من النُقاد والمهتمين، وتنسى الجمهور العريض.

تواجه السينما السعودية أزمة فكرية حادة، تُشبه في طبيعتها أزمة العقارات في بلادنا: تبدأ الأحلام شاهقة، تصل إلى حدود السماء، لكنها ما تلبث أن تلامس الواقع حتى تفقد توازنها. الأفلام التي ننتجها اليوم تشبه أحلام اليقظة، تبتعد عن المشاهد المحلي وتتجه صوب الغرب، تُصمم لتنال إعجاب جمهور المهرجانات الدولية وتصفيقهم الحار، وتقبل بصدر ضيق الرحابة في العالم الغربي أولًا قبل أن يتقبله ولد الجيران مثلًا.

التقمص الوجداني: الطريق إلى قلوب الجماهير
أحد أقوى أدوات صانع الفيلم هي القدرة على خلق تقمص وجداني بين المُشاهد والشخصيات. الجمهور يريد أن يرى نفسه، حياته، آماله وإحباطاته. عندما يرى نفسه في الشاشة، يُصبح الفيلم جزءًا من ذاكرته، ليس مجرد ترفيه.
لكن ما نراه اليوم هو انفصال كبير عن الواقع المحلي، قصص وشخصيات لا تشبهنا، لا في حواراتها ولا في أزيائها، وكأن الكاتب يرى مجتمعه من وراء زجاج مُعتّم. وهذا الكم من الانفصال عن المجتمع لن يكون سببًا في نجاح أي فيلم لدى الغرب. لا أفهم ما السبب في المحاولات المستميتة في تصوير المجتمع بشكل لا يشبهه.

طاش: عبقرية الحكاية اليومية
مسلسل "طاش ما طاش" يمثل نموذجاً فريداً للأعمال الناجحة رغم ضحالة التجارب السابقة. كُتبت فكرة "طاش" وطُرحت في وقت لم تكن فيه العالمية هدفًا، وكان يُستلهم من القصص والمواقف الطريفة التي حدثت بالفعل.
قصص كُتبت لنا، مستوحاة منا، وتدور حولنا.
من ينسى المشهد الذي يجسد فيه عبدالله المزيني الطريقة التقليدية لتبريد الشاي بين "البيالتين"؟ لقطة بسيطة، لا قيمة لها إلا أنها تجسد تفاصيل حياتنا اليومية.
العمق السطحي والواقعية المفقودة
العديد من الأفلام تقتبس من كتب وتقتطع منها مشاهد عديدة، لكنها تصل متكاملة في صورتها النهائية، وهذا هو النهج الذي يفترض أن يعتمده الكاتب، فهو الأجدر بفهم الشخصيات بجميع أبعادها، حتى لو لم تظهر في القصة. يميل الكتّاب السعوديون إلى التركيز على المشهد السينمائي: الإضاءة، الزوايا، والحوارات ”الذكية“، ويهملون القصة التي يُفترض أن تعكس هذه العناصر. القصة هي الأساس، وهي ما يبقى في ذهن المُشاهد بعد انتهاء الفيلم. التركيز على الصورة قبل الفكرة يجعل الأفلام تبدو جميلة من الخارج، لكنها فارغة من الداخل.
الأفلام السعودية غالبًا ما تُنتج لصناع الأفلام أنفسهم، وليس للجمهور الحقيقي. ولعل هذا هو أكبر الأخطاء: أن تُخاطب دائرة صغيرة من النُقاد والمهتمين، وتنسى الجمهور العريض. السينما السعودية لا تزال في بداياتها، لكنها تحمل إمكانيات هائلة. وما تحتاجه هو العودة إلى قصصنا الحقيقية، إلى واقعنا الذي لا يقل إثارة وجمالاً عن أي فيلم عالمي.

نشرة لا يُعرف لها حد ولا يُقيدها قيد -تقريبًا-